responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 54
الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ يَمُدُّهُمْ يَزِيدُهُمْ. فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ قَالَ يَلْعَبُونَ وَيَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلِلْإِنْسِ شَيَاطِينٌ؟ قَالَ: نَعَمْ» .

[سورة البقرة [2] : آية 16]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)
قال سيبويه: ضمّت الْوَاوُ فِي: اشْتَرَوُا فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَاوِ الأصلية في نحو: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا [1] . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: حُرِّكَتْ بِالضَّمِّ كَمَا يُفْعَلُ فِي نَحْنُ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ بِكَسْرِ الْوَاوِ على أصل التقاء الساكنين. وقرأ أبو السّمّال الْعَدَوِيُّ بِفَتْحِهَا لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ هَمْزَ الْوَاوِ. وَالشِّرَاءُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلِاسْتِبْدَالِ: أَيِ اسْتَبْدَلُوا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [2] فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الشِّرَاءِ الْمُعَاوَضَةَ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ حَقِيقَةً فَلَا، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَبِيعُوا إِيمَانَهُمْ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنِ اسْتَبْدَلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهَلُ فيكم ... فَإِنِّي شَرَيْتُ [3] الْحِلْمَ بَعْدَكِ بِالْجَهْلِ
وَأَصْلُ الضَّلَالَةِ الْحَيْرَةُ وَالْجَوْرُ عَنِ الْقَصْدِ وَفَقْدِ الِاهْتِدَاءِ، وَتُطْلَقُ عَلَى النِّسْيَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [4] ، وَعَلَى الْهَلَاكِ كَقَوْلِهِ: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ [5] وَأَصْلُ الرِّبْحِ الْفَضْلُ. وَالتِّجَارَةُ: صِنَاعَةُ التَّاجِرِ، وَأَسْنَدَ الرِّبْحَ إِلَيْهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: رَبِحَ بَيْعُكَ وَخَسِرَتْ صَفْقَتُكَ، وَهُوَ مِنَ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ إِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى مُلَابِسٍ لِلْفَاعِلِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي. وَالْمُرَادُ:
رَبِحُوا وَخَسِرُوا. وَالِاهْتِدَاءُ قَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ: أَيْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ فِي شِرَائِهِمُ الضَّلَالَةَ وَقِيلَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى أَيِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخَذُوا الضَّلَالَةَ وَتَرَكُوا الْهُدَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حاتم عن مجاهد قال: آمنوا ثم كفروا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى، قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْتُمُوهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ، وَمِنَ الْجَمَاعَةِ إِلَى الْفِرْقَةِ، وَمِنَ الْأَمْنِ إِلَى الْخَوْفِ، وَمِنَ السّنّة إلى البدعة.

[سورة البقرة [2] : الآيات 18 الى 17]
مَثَلُهُمْ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ إِمَّا الْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَمَثَلِ لِأَنَّهَا اسْمٌ: أَيْ مَثَلُ مَثَلٍ كما في

[1] الجن: 16.
[2] فصلت: 17.
[3] ويروى «اشتريت» كما في ديوان أبي ذؤيب.
[4] الشعراء: 20. [.....]
[5] السجدة: 10.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 54
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست